شرح نص الكراسي المقلوبة محور الاقصوصة لرضوان الكوني تحليل شرح نصوص اولى ثانوي
تحضير درس الكراسي المقلوبة تعليم تونس 1 ثانوي مع الاجابة على جميع الأسئلة حجج
الموضوع: شرح وتحليل نص الكراسي المقلوبة للسنة اولى ثانوي للكاتب رضوان الكوني
يهتك رضوان الكوني في أقصوصته الكراسي المقلوبة ستر “الجنس الأدبي” في تحد
للمؤسسة النقدية وسدنتها. يدشن انهيار الحدود بدفع النص نحو تفعيل أقصى طاقته
على الجذب والامتصاص واقتحام مراكز الخـــــطاب وفئاته النصية وعباراته
الجارية وأيقوناته ذات “الإيحــــــائية العالية”… إن المغــــامرة في ذاتها ساذجة..
وهي تعادل في سذاجتها هذه سذاجة الســـؤال المطروح ساعة ترك السارد المقهى
عن (سر الكراسي المقلوبة) فالمغامرة خلو من الأحداث الجسام، والتحولات المثيرة
للجدل، إذ كل شيء فيها
حافظ على نسقه العادي: حركة الناس في الشارع الطويل وانفلات الريح العاصفة
في جموح خريفي فجّ لتنقض على الكائنات العضوية منها وغير العضوية قلعا
وفضحا ملقية بها في اضطراب وفوضى يذكران بمشهد الاختلاط الكوني العظيم
ينطبق ما سبق على السارد ذاته، فهو أيضا حـــافظ على ركنه الخاص، منغمسا في
أوجاعه وهمومه وتوتره، يقول: وكنت أنا أجرجر رجلين مثقلتين تحملان جسما
منهوكا مكدودا ضعيف الحركة ورأسا ثقيلا مهموما أعياه التفكير وأتعبه السهاد
فحركته بنوعيها الجسدية والذهنية لا تبشر بأي حادثة أو أزمة ضمن سياق يعيد
إنتاج واقع مأزوم يغلب عليه الذهول ويحكمه الانفصال بين الكيانات المبعثرة
والسارد عندما يشد الانتباه إلى حال كراسي المقهى إنما يوغل في التفاهة ووطأتها،
وتنشأ المفارقة الكبرى بين “مسألة” قلب الكراسي في مقهى وانشغاله بها وبين
رأس “أعياه التفكير”؛ وهو أبعد ما يكون عن هموم الناس، واعتماد التبئير
الخارجي خير دليل على استقالته، فالوصف
وقد وقع تسريده – لم يجاوز ظاهرا تراه العين، حتى فساتين النسوة لم تنجح في
إثارة الســـــــــــــارد لحظة هزتها الريح، بل ظل في ضجر وحياد مقيتين. تكشف
مرحلة العرض عن تفاهة الواقع، وبتغاضي السارد عن شواغل العابرين جيئة
وذهابا يتخذ موقفا مضادا للتنميط السائد نابذا بذلك ما اصطنعته السلطة من أشباه
ونظائر، فاختزلـــــــــــــــها في بعدها المرئي الصريح. وما سؤاله حول حال
الكراسي سوى محاولة منه لاستعادة طاقته على التفكير ومحاورة الأشياء وتلبية
ندائها العميق. فالكرسي دالا أو صورة ذهنية غيره مرجعا واقعيا ملموسا، فهو في
هذا مجرد وسيلة للتبادل والاستعمال، لكنه في الذهن أيقونة مهيبة تحوطها
سحابة من السمات تراكمت عير قرون من النزاع والتنازع حول رقاب الناسيتخيّر
السارد لمسألته هذه موضعا متقدما من مرحلة العرض، لتتصل بعدها حركة السرد
دون أدنى إشارة إليها؛ بيد أنها
رغم بعدها .. تظل تومض في ذهن المتلقي، لاسيما وأنها وحدها المفروزة من بين ركام البشر والأشياء أعمالا وأحوالا. فعين السارد ظلت تتابع أحوال كراسي
المقهى، محصية عدد تلك التي أقعدت/قلبت على قوائمها. وعلى هذا السمت يسحبنا
السارد من عالمنا وفوضاه ليلقي بنا في عالم مواز له، لكنه أجمل وأشد جاذبية. إنه
ركح تدور عليه مسرحية يؤديها ثلة من الصبيان “يمارسون لعبة الحكم”. هذا
الركح متصل بالمكان، فهو ليس إلا سُلّمَ مبنى
كبيرٍ ((في الناحية المواجهة لي في البطحاء)) على حد قوله؛ غير أنه منفصل عن
عالم السارد، فلا الريح العاتية تؤثر فيه ولا رواد المقهى القلائل منتبهون إليه
وحده السارد يشاهد أطوار المسرحية. إنه المتفرج الوحيد. وهو
بانغماسه في اللوحة
ينعتق من نير التفاهة إياها، ويتخلص من الاختلاط ليزج بنفسه في عالم تشكلت
صوره ولاحت ملامحه فقدّم نفسه جاهزا لمن يستجيب لندائه. إنها نافذة تنفتح في
الفضاء المشترك الحميم، لتخترق النمطي المكرر. لا جرم أن ينفلت السارد من
محيطه ببصره ويتابع قصة الكراسي والأطفالُ ينعشونها ويملؤونها معنى. هكذا
يورطنا رضوان الكوني في مسرحية من فصل واحد، مدارها لعبة لها قاعدة
ومعيار وغرض، تنمو تدريجيا نحو أزمة تنعقد على إعراض الصبي
الملك عن تنافس المتنافسين حين أضحى كرسيه الرهانَ، فيلجأ إلى العنف قلبا وانقلابا؛ وتنتهي
المسرحية بسقوط حاد بانقلاب بقية الصبية عليه وقلب كل الكراسي رافضين قواعد
اللعبة وأسلوبها. لقد شحنت مسرحية الأطفال الكرسي وفعَّلت شفراته وسماته، فبعد
أن كان مجرد وسيلة للاستعمال أمسى موضوعا للصراع فغاية في ذاته. هذه
التحولات إنما طالت الكراسي لتجعل منها “فاعلا قصصيا”، وما كان لها أن تصير
كذلك لولا انتهاج المؤلف طريقة في القص تعود الىى مراحله الساذجة. فهو وإن
حرص على الالتزام ببنية” الأقصوصة” وخصائصها الفنية المعروفة، عدل عنها
عبر التضمين، فصرنا أمام قصة داخل قصة ليس من رابط بينهما إلا المشاكلة
غير أن القصة المضمنة ليست حكاية مثلية ولا خرافة من خرافات شهرزاد، إنما
هي مسرحية، جنس أدبي مغاير اقتحمته “الأقصوصة” وطوعته لتصقله عمودا
فقريا تقوم عليه. لقد أماطت المسرحية اللثام عن “سر” السارد والعلة في انشغاله
بالكراسي وأحوالها، فاستوت المسألة الساذجة قضية شائكة لها تعلق بالشأن العام
إذ أن السؤال الحق مداره الصراع حول “السلطة” لا بوصفها طبقة مسيطرة ولا
دولة ذات
أجهزة، بل بوصفها ظاهرة منبثة في كل مفاصل المجتمع، قائمة على مفارقة أصلية
تجمع بين العقلاني / بما أن لها قواعدَ ومعاييرَ وأغراضا .. وبين المزاجي المتجسد
في “النزوات” والأهواء والتقلب غير المحدود
بما أنها لعبة يلهو فيها وبها الأطفال-. لقد أدت الكراسي ضمن “المسرحية” وظيفة
“الإغراء” على أتم وجه، ذلك أنها ألقت بالجميع في الفتنة بوجهيها الجميل والقبيح
… ومكّنت السارد من التطهر من خوفه غير المبرر أن حوّل وجهة السؤال .. أي التفكير
ليسلط عدسته على الذات في عملية استبطان عميقة ومكاشفة مؤلمة. فهو كما قال
عن نفسه: ” والشارع الطويل ممتلئ بالحركة وأنا أخشاها وأخشى أسرارها
وغموضها وغموض هذا الزمان وتعقيد أهله … متى أتحدى الخوف؟ …” هكذا
تبدلت الرؤية وتحولت الوجهة من الخارج السطحي إلى الباطن المعقد، والسارد
بذلك يجيز الصبية أصحاب المسرحية تأليفا وإخراجا وأداء لأنهم حققوا مَهمة هذا
الفن الأولى، أقصد التطهير الأرسطي، ليمنح
القارئ فرصته في إعادة “المشاهدة/القراءة” وفق نظيم رمزي يستدعي رواسبه من
عرف وعنف. فالتضمين ذاته يحث الذهن على تغيير طريقته في التعاطي مع
المقول، ويبث في ثناياه الريبة والشك في قصد المؤلف؛ ذلك أن القارئ ذا الكفاءة
التأويلية يملك من النصوص ما يكفيه ليضبط القصة المحكية وهي تقترف المراوغة
عبر التقنّع والتضليل؛ حسبنا هاهنا التقريب بين الأقصوصة وبين الحكاية المثلية
كي ندرك محمول المسرحية المضمنة الجدي، فتفويض الصبية حتى يمارسوا
الحكم ويحولوه إلى “لعبة” الكراسي فيها هي الرهان والتزلّف هو المصعد كفيل
بشحن النص شحنة سلبية بموجبها يشهد الملفوظ أيا كان موقعه توترا بين ظاهر
وباطن، ظاهر (زائف تافه) يحجب باطنا خطيرا. لقد ععول رضوان الكوني على
نباهة القارئ وتجاربه مع الرسائل المشفرة، ونزّل الأقصوصة .. هذا الجنس اللعوب
في سياق تداولي التبادل فيه يمارس خارج المؤسسة بعيدا عن أضواء السلطة هناك
على هوامش الخطاب وتخومه. إن هيمنة الطبقة المسيطرةعلى مســـــاحات
الخطاب واحتكارها الحق في التأويل جعلت المشتغلين في مجال الكتابة يبحثون عن
وسائل جديدة وفضاءات مهجورة يمارسون فيها حقهم في الالتحام بالأشياء وسؤالها
والإصغاء إلى نبضها البعيد، وما اختيار سلم مبنى لأداء المسرحية الالا حل وجده
الصبية لممارسة براءتهم الماكرة