إصلاح موضوع إنشائيّ حجاجيّ تفكيكا وتخطيطا وتحريرا
الموضوع: تستهوي صديقك أخبار الحروب وينفق الكثير من وقته في جمع
صور لمختلف وسائل الدمار والخراب دون أن يعي بمخاطر هذه الآفة
فأزعجك منه هذا السلوك وأردت إقناعه بتهديدات الحرب وويلاتها .
تحدّث عن ذلك مبرزا ما اعتمدته من آراء وحجج لإقناعه بمخاطر هذه الآفة
تفكيك الموضوع
المعطى من تستهوي إلى وويلاتها :حدّد
طرفي الحجاج: الأنا والصديق
مناسبة الحجاج :ولع الصديق بالحروب و جهله بمخاطر هذه الآفة.
أطروحة التلميذ :إثبات مخاطر الحرب وويلاتها
أطروحة الصديق : اعتبار الحرب مظهرا من مظاهر البطولة والقوة وأمرا مشروعا
لم يقع تحديد الزمان والمكان فعلى التلميذ أن يؤطّر الحجاج تأطيرا مناسبا.
المطلوب : يحدّد نمط الكتابة : حوار حجاجيّ
التخطيط
المقدّمــــــــــــــــــــــــــــــة :
من المستحسن أن تبدأ بتمهيد عامّ مناسب
التخلّص إلى المعطى
تأطير الحجاج مناسبة وزمانا ومكانا
تحديد الأطروحتين
طرح الإشكاليّة
الجوهر: تمثّل الأطروحتان فكرتين كبريين ويجب التوسّع في تحليلهما إلى
أفكار فرعيّة يقع إثباتها من خلال حجج مناسبة ومتنوّعة ويبدأ الجوهر بقسم
سرديّ وصفيّ قصير يمثّل القادح للحوار.
أطروحة الصديق: -اعتبار الحرب مظهر قوّة وبطولة
اعتبارها من غرائز الإنسان وأمرا طبيعيّا
-تبرير الحرب واعتبارها أمرا مشروعا
أطروحة التلميذ :- إثبات نتائج الحرب على مستوى الفرد ( مخاطرها على
حياته / صحّته /نفسيّته/ حياته الاجتماعيّة/ عمله/ سلوكه /استقراره /
إثبات مخلّفات الحرب على مستوى المجتمع ( الحياة السياسيّة /اقتصاده /أمنه
/ معالمه ومنشآته /ثروته البشريّة والطبيعيّة…
الخاتمة: تبيّن نتيجة الحوار: الاقتناع من عدمه مع فتح الآفاق على موضوع جديد
التحريــــــــــــــــــــر:
الحرب نزاع وصراع مسلّح بغية تحقيق هدف سواء كان اقتصاديّا أو توسّعيّا
أو لبسط نفوذ ورغم ما تخلّفه من ويلات ورغم أنّها أصبحت خطرا يهدّد
البشريّة بالزوال والانقراض لما أضحت تمتلكه الدول الكبرى من أسلحة
دمار شامل فإنّ الكثير من شباب اليوم لا يعون مدى خطورة هذه الآفة ولا
يرون منها إلاّ جانبها البطوليّ وهذا حال صديقي الذي ما فتئت أخبار
الحروب تستهويه وينفق الكثير من وقته في جمع صور الأسلحة وقد زرته
يوما في منزله لآخذ منه بعض الصور التي سألصقها في بحث أنجزته حول
الحرب واكتشفت حينها أنّ ولعه بأخبار الحروب وأنواع الأسلحة إنّما يعود إلى جهله بمخاطر هذه الآفة فقرّرت أن أقنعه بتهديدات الحرب وويلاتها . فما
هي الحجج التي سيلجأ إليها كلّ منّا للدفاع عن وجهة نظره؟ وهل سأنجح
في تغيير رأيه؟
كان صديقي منبهرا بالحرب وآلاتها والقتال وأسلحته فكان يجمع صورها
ويعلّقها على جدران غرفته حتى خلت نفسي لمّا دخلتها في ساحة حرب
حقيقيّة وكان ضالعا بجميع أنواع الأسلحة في العالم وبخصائصها وقدراتها
التدميريّة وقد عبّر لي عن رغبته في أن يصبح يوما بطلا من أبطال
الحروب وبادرني بلهجة الواثق من أمره :
أتعلم ، يا صديقي ، أنّ الأسلحة المتطوّرة مظهر من مظاهر التقدّم والقوّة
والسيادة فانظر إلى الولايات المتّحدة فهي لم تهيمن على العالم إلاّ بفضل
أسلحتها الفتّاكة أمّا الدول الضعيفة فهي لا تمتلك سوى أسلحة بدائيّة عفا
عليها الزمن فهي أشبه بلعب أطفال ألا تعجبك صورة جنديّ قويّ يحمل
سلاحا متطوّرا ؟ هي في نظري رمز للبطولة والإقدام والشجاعة والرجولة
وأكاد أزعم أنّ الحرب من طبيعة الإنسان وغرائزه مثل الأكل والشرب
والتنفّس فقد صاحبت الإنسان منذ بدء وجوده، ألم يقتل قابيل أخاه هابيل ؟
إنّ الإنسان ،يا صديقي، ميّال بطبعه إلى السلطة والتسلّط بل إنّ الصراع
قانون تسير عليه كلّ الكائنات ، فانظر إلى السماء تجد الكواكب في تجاذب وتدافع وتأمّل الأرض تجد حيواناتها في صراع أبديّ لأجل البقاء واقرأ
تاريخ الأمم فستكتشف أنّه تاريخ حروب تلو أخرى، هذه هي سنّة الحياة
نظرت إليه في وجوم وأدركت أنّي في موقف حرج وأيقنت أنّ من الصعوبة
إقناعه بخطإ تصوّره لكنّني صمّمت على المضيّ قدما في الدرب الذي
تخيّرته بكلّ عزيمة وثبات فقلت بكلّ هدوء ورصانة
والله يا صديقي إنّ أمرك عجيب وسلوكك غريب فهل يعقل أن تغطّي جدران
غرفتك بصور الدمار والخراب والموت ؟ ثمّ تأخذ تتأمّلها في إعجاب
وانتشاء وكأنّك تتأمّل منظرا طبيعيّا خلاّبا، لقد انتبهت إلى الظاهر وغفلت
عن الحقيقة وانسدلت على عينيك غشاوة حجبت عنك حقيقة الحرب
وويلاتها إمّا لأنّك لم تعشها وليتك لا تعيشها أو لأنّك ذهبت ضحيّة الأفلام
والإعلام الخادع الذي يخرج المجرمين في صور أبطال يقتدى بهم فأنت
تقف دون أن تشعر في صفّ سفّاكي الدماء وأعداء البشريّة من صانعي
الحروب وتجّارها ولتعلم أنّ الأسلحة التي شغفت بها صنعت لتوفّر المال
لشرذمة من الوحوش، أو لم تسأل نفسك عن المجال الذي تستعمل فيه
الأسلحة؟ وهل تستخدم مثلا للإعمار والبناء والرقيّ بالفرد والإنسانيّة ؟ إنّ
كلّ مسدّس وكلّ دبّابة وكلّ صاروخ يتسبّب عاجلا أو آجلا في سفك أرواح
المئات بل الآلاف بل الملايين مّمن لم يقترف أيّ ذنب ، فحيثما حلّت الحرب
انتشر الموت وخير دليل على ذلك أنّ الحربين العالميتين قد خلّفتا أكثر من
سبعين مليونا قتيل بل إنّ القنبلة الذريّة التي ألقيت على هيروشيما باليابان
إبّان الحرب العالميّة الثانية قد قضت في بضع لحظات على خمسة وستين
ألفا من سكّانها ولا يتوقّف اليوم نزيف الدّم في كلّ مكان أشعلت فيه نار
الحرب وهب أنّ حربا عالميّة ثالثة تندلع فستغدو الأرض بما فيها أثرا بعد
عين وهو ما أدركه غاندي في قوله :” يجب على البشريّة أن تضع حدّا
للحروب قبل أن تضع الحرب حدّا للبشريّة”، إنّ كلّ من عايش الحرب كان
إمّا مقتولا أو مشرّدا أو مشوّها فكم من طفل سرقت أحلامه ؟ وكم من شابّ
قتلت طموحاته ؟ وكم من امرأة انتهك عرضها؟ وكم من إنسان ولد سليما
معافى فغدا مبتور الأطراف معوقا ؟فالحرب تتسبّب في الإصابة بتشوّهات
وإعاقات خطيرة يجني المصاب تبعاتها طيلة حياته وما يؤسف أكثر أنّه إلى
يومنا هذا ما زلنا نشاهد ولادة رضّع مشوّهين أصيب أجدادهم بالملوّثات
الإشعاعيّة الناتجة عن الأسلحة الذريّة والكيميائيّة وهي في نفس الوقت
السبب في انتشار أمراض خطيرة بين السكّان كالسرطان ، بل كيف بإنسان
يعيش تحت أزيز الرصاص وصفّارات الإنذار ودويّ الطائرات وقصف
الدبّابات أن يخرج من كلّ ذلك سليما ؟إنّ الخوف والهلع والصدمات
والمشاهد المرعبة التي يعيشها الفرد زمن الحرب لا بدّ أن تخلّف له
أمراضا نفسيّة وأزمات عصبيّة تلازمه حتّى بعد انتهاء الحرب بل تفضي
ببعضهم إلى الاختلال العقليّ وشاهدنا على ذلك ما عاناه الجنود الأمريكيّون
إثر حرب الفيتنام وحرب الخليج وقد تحوّلت شوارع المدن الكبرى المنكوبة
في الحرب العالميّة الثانية إلى ساحات يتنقّل فيها آلاف المختلّين عقليّا وهكذا
تحرم الحرب الفرد من حياته وسلامته الجسديّة والنفسيّة والعقليّة أمّا سلوكيّا
فالحرب تفقد الإنسان المبادئ والعقيدة التي نشأ عليها فتقضي على إنسانيّته
وقيمه فيغدو المحارب كالوحش الكاسر يرتكب جرائمه دون رحمة أو شفقة
ونرى المجازر والمذابح والتعذيب والتنكيل في عصر كنّا نعتقد فيه أنّ
الإنسان قد تخلّص من الهمجيّة والبدائيّة فلا أحد ينسى ما عاشه المسلمون
في البوسنة من قتل جماعيّ وهو ما يحدث اليوم في بورما حيث يباد
المسلمون على مرأى ومسمع من العالم أجمع وهو حال المدنيّ كذلك فمتى
فقد مورد رزقه ومسكنه وممتلكاته أقبل على السرقة والجريمة من أجل
توفير الطعام لنفسه ولعائلته والإبقاء على حياتهم كما يضطرّ جلّ المدنيين
إلى الهروب من بلدانهم واللجوء إلى مخيّمات لا تتوفّر فيها أبسط
ضروريّات الحياة الكريمة ولا تحميهم من قرّ الشتاء أو حرّ الصيف ولا أدلّ
على ذلك اليوم من حال إخواننا السوريين والفلسطينيين الذين شرّدتهم
الحرب في كلّ أصقاع العالم وحرمتهم من عيش آمن في وطنيهما ولا تنس
كذلك أنّ أكثر من مليوني عراقيّ هربوا من بلادهم بحثا عن مكان آمن
وهكذا تتشرّد الأسر ويتيتّم الصغار و تترمّل النساء فالحرب كما نعتها
العرب غشوم لأنّها لا تميّز بين ضحاياها ومثلها كمثل الكابوس المزعج بل
هي جحيم الدنيا فيه يصبح الخوف خبزا يوميّا وتصبح نظرة الإنسان للحياة
نظرة مظلمة وينضب الأمل منه وصدق المثل البولونيّ عندما قال ” عندما
تبدأ الحرب يفتح الجحيم أبوابه” فكيف تزعم أنّ الصراع من الشهوات
والغرائز؟ بل هو من ميولات النفس الأمّارة بالسوء التي يجب كبحها
وتهذيبها أمّا القانون الذي تحدّثت عنه فهو قانون الغاب حيث يأتي القويّ
على الضعيف وأجدر بالإنسان المعاصر ألّا يعود إلى مرحلة التوحّش
والبدائيّة وهو ما أدركه شاعرنا أبو القاسم الشابّي في قوله
فهل الحروب سوى وحشيّة نهضت ***في أنفس الناس فانقادت لها الدول
توقّفت دقيقة ألتقط أنفاسي فقال صديقي بصوت مرتبك يدلّ على حيرته
وتردّده
لا تنكر أنّ الحرب في كثير من الأحيان حتميّة فهي فرصتنا للدفاع عن
النفس واسترداد الأرض المسلوبة فما أخذ بالقوّة لا يستردّ إلّا بالقوّة وشاهدنا
حركات التحرّر في البلدان التي استعمرت أراضيها ولم تسترجعها إلّا
بإراقة الدماء أتنكر أنّنا اليوم نفخر بشهدائنا الذين ضحّوا بأنفسهم في سبيل
طرد المستعمر ؟ أليس الاستسلام في هذه الحالة وصمة عار؟
ظنّ أنّه قد أفحمني لكنّي فاجأته بلسان فصيح ومنطق بليغ وأدب جمّ:
صحيح أنّه على كلّ مواطن الدفاع عن وطنه وحريّته لكن تبقى الحرب الحلّ
الأخير باعتبارها مظهرا دالاّ على الوحشيّة والهمجيّة وباعتبار أنّ كلّ
الأطراف خاسرة في الحرب حتّى المنتصرة ترهقها تكاليفها وإذا لم تقتنع
بخطورة الحرب على الفرد فأكيد أنّك ستقتنع بآثارها وويلاتها على المجتمع
ذلك أنّ الحرب تنشر الأوبئة والأمراض نتيجة عدم توفّر الرعاية الصحيّة
وتتسبّب في استفحال الفساد و الجريمة فيغيب الأمن وتنتهك كلّ المحرّمات
إذ في الحرب لا تراعى قوانين أو مبادئ وينتصب محلّها العنف والكراهيّة
والحقد فيكون البقاء للأقوى ويسيطر منطق الغاب على حدّ قول المثل حوت
يأكل حوتا وقليل الجهد يموت” أمّا ثقافيّا فالحرب تدمّر المعالم الحضاريّة
والدينيّة والثقافيّة كالمتاحف والمساجد و المؤسّسات التربويّة وتنهب الآثار
التي تعاقبت على تشييدها حضارات متتالية ولنا في ذلك مثل وهو حرق
مكتبة الإسكندريّة أثناء حملة نابليون على مصر وهكذا يمحى تراث الشعوب
وتاريخها وبدل التعايش السلميّ بين الشعوب تدخل في تحالفات ونزاعات
تخسر معها ثروتها البشريّة من أطبّاء وعلماء و إطارات أمّا اقتصاديّا
فالحرب تخرّب المنشآت وتدمّر البنية التحتيّة كالجسور والمصانع والموانئ
والسكك الحديديّة والمطارات ووسائل النقل فتتلف الثروات ويتوقّف الإنتاج
الذي يفضي بدوره إلى تفاقم البطالة وما ينتج عنها من استفحال للفقر
والجوع والتشرّد و الجنوح،وكلّ ما بناه الإنسان على مدى أجيال يدمّر في
لحظات أضف إلى ذلك تضرّ الأسلحة بالأراضي الفلاحيّة وتحرق
المحاصيل الزراعيّة والغابات وتفقد الأرض خصوبتها حتّى الحيوانات لا
تسلم كما تلوّث الهواء وتسمّم مياه البحار والأنهار وهكذا تقضي الحرب
على الإنسان والحيوان والطبيعة وهي أشبه بالنار التي تلتهم الأخضر
واليابس وقد صدق ميخائيل نعيمة حين قال :”إنّ عدّة السلم الحياة وعدّة
الحرب الموت” . خلاصة القول الحرب أخطر الآفات لا يمكن القضاء عليها
إلاّ متى تعايش الإنسان مع أخيه الإنسان سلميّا ونهى النفس عن الهوى
والجشع والأنانيّة فالتزم بقول الله تعالى :” ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ
المعتدين” فلتعترف أنّ عالما بلا سلام هو عالم أسود وأنّ مسؤوليّة تحقيق
السلام هي مسؤوليّة الجميع فهو الأصل في العلاقات بين الأفراد والشعوب
وهو الذي يحقّق رخاءها وازدهارها
تأثّر صديقي بقولي أيّ تأثّر وكره الحرب ورموزها فانبرى ينتزع الصور
المعلّقة على جدران غرفته وأصبح منذ ذلك اليوم نصيرا للسلم متعاطفا مع
ضحايا الحروب
تابع شرح نصوص سابعة ثامنة تاسعة اساسي